في حضرة الموت: للكاتبة القديرة:سلاف حسن

في حضرة الموت…
اليوم التاريخ يعيد ذات المشهد في المستشفى
جسد ممدد على السرير وكأنه جثة هامدة
الجميع يراقبون من خلف النافذة
ويبكي بشدة ويدعو بالشفاء
وهي لم تجرؤ على الذهاب
لأنها لن تقوى على رؤية ذلك المشهد مرة أخرى
إن ذهبت ستعيش نفس اللحظة
بالوجع والألم ومرارة الفقد
في كل مرة كانت تقف أمام النافذة
كانت روحها تحتضر ببطئ
كان في المستشفى
وكانت تعمل وفي استراحة الغداء ذهبت لرؤيته
رغم إرهاقها وتعبها الشديد لم تكترث لذلك
فهمها الوحيد أن تراه ولو من خلف النافذة
على الرغم من أنها لا ترى سوى جسد ممدد على الفراش
قررت في إحدى المرات أن تدخل إلى الغرفة
وتحدثه حتى لو لم يسمعها أو يرد عليها
وجلست بقربه وأمسكت أصابعه وقبلتها قبلة طويلة
ثم نظرت إليه لم ترَ سوى عينين مفتوحتين
أخبرته أشياء كثيرة لم تخبره بها
أخبرته كم تحبه وكم يعني لها ولا تقوى على فراقه
وبأنه السند الوحيد لها وحضنها الدافئ
وهي تنتظر عودته بفارغ الصبر
شدت على أصابعه وهي تحدق بعينيه وتريد احتضانه بقوة والبكاء بشدة لكنها حبست دموعها وقالت له سأعود إلى زيارتك غدا في نفس الوقت
وسقطت من عينها دمعة على يده وبنفس الوقت سقطت
من عينه دمعة أحرقت فؤادها وشعرت بشيء غريب
لم تشعر بالراحة له
قبلته وعادت إلى العمل
وفي صباح اليوم التالي استيقظت وقلبها يؤلمها
ذهبت إلى العمل باكرا
وبدأت دقات قلبها تتسارع وكأن رصاصا طائشا
يدخل في قلبها ويفتك جسدها النحيل
اتصلت بصاحبة العمل وأخبرتها أن تأتي في الحال لأنها تريد أن تقدم استقالتها لأنها تشعر بأن شيئا ما سوف يحدث وأنها ليست مطمئنة وتريد الذهاب إلى المستشفى بسرعة حاولت صاحبة العمل أن تهدأ من روعها لكنها أجابتها والغصة بداخلها إنه يناديني
لم تستطع أن تأتي بسرعة كونها في مكان بعيد وكأن الوقت قد توقف عقرب الدقائق لا يسير لم ترَ سوى عقرب الثواني فقط يسير ببطئ شديد ويحرقها معه وعندما عادت أعطتها المفاتيح وغادرت مسرعة
وصلت المنزل
وبدلت ثياب العمل وقررت الذهاب بسرعة ما إن فتحت الباب
حتى رأت والدتها آتية منهارة لاقوة لها على السير
أدركت عندها بأنها نواقيس الموت قد دقت
لم تدرِِ ماذا تفعل أتبكي أم تصرخ لم ترَ نفسها سوى تحتضن والدتها وتقول لها رحمه الله
وعند التشييع كان الجميع بإنتظاره أقيمت له جنازة كبيرة
والورود كما يحب في كل مكان
وقبل أن يخرجوه ويضعوه في الكفن
طلبت أن تدخل وتراه كي تودعه الوداع الأخير
لكنهم رفضوا خوفا عليها من الانهيار فأصرت أن تدخل وبالفعل دخلت الغرفة وكان ممددا على السرير وفوقه غطاء طلبت رفع الغطاء عن وجهه فرفضوا فقالت لهم أريد رؤية وجهه فرفعوا الغطاء كانت قبالته قالت في قلبها انه نائم ما أجمل هذا الوجه ولم تجد نفسها إلا بقربه اقتربت أكثر وقبلت جبينه وخرجت دون أن تنطق بأي كلمة أو تبدي ردة فعل
لأن شيئا مابداخلها قد مات
عندما نرمي حبات التراب فوق من نحب
ندرك حينها
كم هذه الحياة فانية
لذلك….
سامحوا واغفروا واصفحوا
اخلعوا ثياب البغض والكره والحقد جانباً
وارتدوا ثياب المحبة والألفة والعطف بينكم
ففي أي لحظة تدق أجراس الوداع
وتعلن القلوب نزفها وألمها
حزنها وعجزها
في حضرة الموت…
سلاف حسن

نُشر بواسطة مجلة خيمة الأدب في روج افا

كاتب

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ