بطول الأيام:الشاعر:مصطفى محمد كبار

بطول الأيام

كسيفُ المطعونِ يقطعُ اللحمَ و الليلُ طويل ٌ و مظلمُ
والقلبُ يتكابرُ بأوجاعهِ متبسماً والروحُ تنوحُ و تبتسمُ

و مر الكدر كالمطر تسقي السواقي و عذابٌ و ظلمُ
الكفرُ غدا أن يكونَ إليهاً والضمائر صارت فقط مزاعمُ

يا أمة الشرقِ مالكِ تعبثينَ بالخرابِ والقتلِ والسقوطِ
إن سفكِ الدماءِ مسالٌ و الدمارُ قد دارَ بكل العواصمُ

تخلدِينَ تاريخ الأوائلُ فخراً و تنسجين فشلَ حاضركِ
تتفاخرينَ بتخلفكِ وتحاصرين نفسكِ وطاعتكِ للعجمُ

تناصرين الظالمينَ على المستضعفين وتقهرين الفقراء
وترفعين رايات النصر كذباً والعدو يتربصُ بنا وغاشمُ

لاسلامٕ تزنُ العقولُ وتهتدي بها النفوسُ ولا رجالٕ تهزُ
عروش الظالمينَ فأي أمةٕ أنتِ يا أمتي من بين الأممُ

هل لغة الحدثِ ساقيةٌ بيننا و ورث التخلفِ بنا حاسمُ
الأيامُ لنا محاربةٕ والسيفُ الطعنِ أساسٌ لقتلي وداعمُ

أتنكرُ رياحُ الدهرِ التي زقتهُ قرفاً بأنها تسوقني للهلاك
و أنا الذي تحملتُ من مخالب الدهرُ الجريح غمائمُ

كأني في جفنُ البحورِ أرتمي بأحضان الموتِ بنفسي
وكأنَ جرحُ السيوفِ تشتهيني بكبوتي وأيامي شتائمُ

يسرُ للأعداءِ بما أهداني الأقدارُ من كؤوسها من مذلةٕ
أيسرُ لمن أعدتُ لهم بزماني حتى تلاشت مني القوائمُ

عجبي للناسِ كيفَ أصبحت تسحقُ الطيب بأقدامها
أخلاقٌ هوت بتعرج الدروب وكثرت الكفرُ و الجرائمُ

ثوبُ الردى يقتلني و لعنةُ الغربة حارقةٌ و نارُ القدرُ
و دارُ الطيبِ منزلتي و أصلي دارُ الكرامُ و عزٌ و كرمُ

أنا الأصيلُ من صدر السماء أُخلدُ القرآنَ والأنجيلَ ولا
مكان للشيطانِ عندي ولا أبيعُ نفسي بقروشٍ ودراهمُ

فتمضي كلُ الليالي سوداءٌ عوراءٌ بجمرها تحرقني
والأقدارُ مازالت تلهو بجراحي وكأن زمني مني ينتقمُ

كمناسكُ الحجيجِ للنوى تسافرُ قوافلُ دموعي بحزنها
تفارقني بكلَ لحظاتها وتسقطُ برهبة الترابِ وتصتدمُ

تصارعني الخيباتُ بمنزل غربتي وتسطو على جداري
فأصونُ خيبتي ومزلتي بزماناً الصدقُ بهِ راحَ ينعدمُ

وقد رماني الزمانُ بين أيدي الصعاليكِ أنجاس القومِ
تغربتُ بمر أحزاني بوحدتي و سقطتْ كل الأنجمُ

أنا المحتسي من كؤوسُ المذلةِ بغبائي بنقمة المآسي
فالجرحُ قد غوى مناهجي و راحَ بجدار بيتي يهدمُ

إن خطى الدروبِ حارقةٕ مداسها نارٌ وخزيٌ و نواقصُ
وعينُ المنايا غابرةٌ بكل أسوارها وهلاكٌ و تعبٌ و لومُ

كرعودِ تزلزلني الأيامُ بغلها و تغتالني صدى المعابدُ
القلبُ يعوي ألماً بصراخهِ أمام الرياح و راحَ يستسلمُ

فأتسلقُ وجه الدموعِ أمام الشمس مختفياً باكياً
يلتقطني الأوهامُ من سرد الليالي وخاطري لا ينسجمُ

فكم من المعيبِ ثوبُ الزمانِ بعار ساكنيها أيطيبُ
العيشُ بدارها وقد ماتت الضمائرُ و ترحمت الزممُ

إني حسبتُ بدارُ الحياةِ يومُ سعدٍ وإن قصرَ زمانهُ
ولم أدري بأن كلَ سنيني و أيامي براكينٌ ونارٌ و حممُ

هي الأقدارُ سلبتْ مني سعادة الدنيا وإرتوت من دمي
كلَ حياتي فواجعٌ و بؤسٌ بين الأحزانِ راحت تنقسمُ

أنا الغريقُ المنسي أعومُ ببحور النوى بثوب كفني
و النجاةُ كسرابِ تسابقني بخطاها و العونُ لي عدمُ

عذراءٌ كانت مواليد العمر بصغر السنِ بكل لحظاتي
ولم أكن أدري يوماً بأن كلَ ما بعد الصغر هو وهمُ

كلَ مواجعُ الأحزانِ بغيظها أهلكتني و للآن تكسرني
والحقدُ قد تغنى بنغماتهِ طرباً بوداعي والدمعُ متفهمُ

الحياةُ قد طغتْ علينا بلعنتها متشردة بطول السنين
و قد مات العمرُ سهواً و الأحزانُ بقلبي صار هرمُ

فالويلُ لعمري الذليلُ فالمصائبُ تكاسرني بكؤوسها
والأقدارُ بقيتْ قاسيةٌ بأحكامها و بمرها علي ترجمُ

المرُ هي ملحمتي الوحيدة بهذه الحياة بمذاهبي
أيا عمراً قد خسرتهُ سراباً كما كان موت ذاكَ الحلمُ

فكلُ أضلعي متعبةٌ بجرحها من الطعناتِ بحد الرماحِ
والسيوفُ صارت تغزو جسدي بحدها و راحت تستقمُ

أنا الغريبُ أرتمي بضياعي بأحضان المهانِ برسوبي
لا دارٌ تسكنني طيبها ولا من بشرةٍ تأتيني من نعمُ

لتنشدَ في صباحي تغريدة عطفاً لتسعدني بيومي
كالبعيرِ أسيرُ وحيداً بصحراء دنيتي متقلبٌ متوهمُ

و جرحي بوجه السماء للبعيدِ يبكي بحزنَ سكرتهِ
غافلةٌ هي السماءُ بعلتي ماتزالُ أصم و أبكمُ

فلا الحروفُ بمهد صراخها و لا القوافي لنا نافعةٕ
و لا النوحُ في الليالي بجدار القصيدة و لا القلمُ

هي الرحيل وحدها قد تجدي نفعاً بثوب الهروبِ
فعجبي كم أرى بدرب الرحيلِ للهروبِ دروبها مزدحمُ

إني لا أميلُ لقرب الجنونِ بمرارة كآبتي و يأسي
وإنما أنوحُ من وجعي عسى الله يراني و بحالي يرحمُ

و إني أخشى من سوءَ الردودِ على قولي المباحُ بسرهِ
فذائقُ السمِ وحدهُ من يعتلي كأسهُ بطعم السقمُ

شريدٌ أتوهُ بغضبي على مفارق السفر كالغريبِ
وحيدٌ أبكي بموتي و الفراقُ شرهُ قاسٍ و صارمُ

فأصرخُ بغابات الظنونِ أجودُ بحسرة الخاسرينَ
فتبرحني الأحلامُ كالقتيلِ الذي رسى جرحهُ ندمُ

فأنا السجينُ الذي أنادي على جرحي كفاكَ يا ألمُ
فإني لم أعد أقوى على الصمودِ فالجسدُ غدا صنمُ

و الشيبُ قد صبا شعري بلون الثلجِ ناسعُ البياضِ
الدمعُ صاحبي منذُ الأزلِ ومن گأس الدموعِ لم أفطمُ

فكفاكَ يا ظالمي يا قدري أفلا تكتفي مآربكَ بذبحي
فوللهُ قد أشبعتني ألماً وسيفكَ كان هو الخصمُ والحكمُ

و قد أهلكني ظلمكَ لجسدي و أرغمني بحب الموت
وقد طعنني بظهري الطويلُ والثمينُ و النحيفُ و القزمُ

و أنا مازلتُ ذاكَ الطفلُ الذي ما زالَ يلهو بدار براءتهِ
ذكرياتٍ تدقُ باب الأوجاعِ بطيبها و للذكرياتِ حرمُ

فهذي النفوسِ نارٌ و قد أوقدتْ مرها بنا و تربعتْ
تعوي القلوبُ بصدى المرايا و الآذانُ للظالمينَ صممُ

طبعُ اللئيمِ حاقدٌ و ذلٌ و طبعُ الطيبِ بكسرِ خاطرهِ
جرحي عنيدٌ بسقوطهِ وكم من جراحاً تأبى أن تلتئمُ

لا أخشى القيامةُ من بعد موتِي و إن كان نارُ الجحيمُ
فلا يخشى اللهيبُ من عاشر النارَ وكأنَ فاشلٌ و منهزمُ

ولا وجهي وضاحٌ بتجاعيدهِ مهما تغنتْ القصائدُ بنثرها
ولا المنايا تباركتْ بخجلها ولا كان يومي فرحٌ و باسمُ

فأنا المنسيُ بدارُ الجحيمِ أصرخُ من شدةِ إحتراقي
كالمهزومِ أصارعُ الموت والمهزومُ من الموتِ لا يسلمُ

الحياةُ إكذوبةٌ كبرى فأحمقٌ من يصدقَ السرابَ بدارها
فكل حقوقنا مسلوبةٌ بأرض الشرقِ ففراغٍ هي الجماجمُ

ياشهباءُ متى كان الفراقُ عبادةٌ بيننا متى كان الرحيلُ
ليتَ ترابكِ ألقاها بقبلتي فلقياكِ لجرحي بلسمٌ و مراهمُ

فالبعدُ يشنقني بمنفاي بغربتي والشوقُ تمدني بحدقٍ لا
تبصرُ النورَ فقد ماتت الأحلامُ وإنهارت القوةُ و العزائمُ

أنا المنفيُ من بلدي والأشباحُ تأسرني لاجسدي يحملني
بسكرتي ولا السكرُ يسعفني ولا بقتلي ذاكَ الفرجُ قادمُ

حلبُ يادنيتي وكارثتي هل سألقاكِ قبل المغيبُ الأخيرُ
أم ستكونُ للمغيبِ دورتها والقبرُ هو الحاضنُ و الأرحمُ

إن البشرَ قد باتوا جحيماً بشرهم والحجرُ دربُ مقصدنا
ألا من رحمةٕ تلاقينا من بعد العذابِ فالعمرُ كلهُ باتَ ألمُ

بقلم ………. مصطفى محمد كبار
حلب ……… سوريا ٢٠٢١/٩/٩

نُشر بواسطة مجلة خيمة الأدب في روج افا

كاتب

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ