
الطهر الذي سينجب للعالم صغاراً برائحة الياسمين و المسك و العنبر ، الطاعنون في السن لهم بالغ التبجيل هم البداية منهم كنا و لولاهم لم نكن . . . ارتفعت حرارتي فدلفت إلى الحمام كي أنعش جسدي . . سخنت الطعام و أمام إلحاح جدتي بتناول الطعام قذفت بعض اللقيمات إلى جوفي متصنعةً الهدوء ، آن أوان الرحيل إلى فخ القدر المنصوب بحكمةٍ متناهية حاكته لي الليالي الأزلية كي أرتديها فيما بعد ، ارتميت في حضن جدتي العسلي مثلي كانت قوةٌ مغناطيسيةٌ تجذبني إليها ، ودعتها و هي ماتزال تدعو لي بالتيسير . تدحرجت الحافلة و قلبي يخفق رغماً عني ، نظري معلق بالأفق عبر زجاج النافذة ، لم تشغلني أشكال البيوت الطينية ، هبطت من الحافلة و علو الأفكار في جمجمتي لا يقل عن ضجيج زحام الطريق الذي أمرُ فيه . . بلغت المنزل منهكةً من العناء الذي كان منبعه نفسياً لا جسدياً ، ذهلت ( لولو ) من هبوطي المباغت و طفقت تستطلع الأمر ، حقاً إنه مأزقْ لا أحسد عليه بتاتاً تعوزني الشجاعة أمام ليمونة التي تحاول استنطاقي بأية وسيلة – أوه – لم أعد أتجشم إنها لواقعة عظيمة . .
الصفحة – 99 –
رواية ابنة الشمس*
الروائية أمل شيخموس
استجمعت قواي لأنبئها بالأمر الوجعُ لا يزال يضغط على صدغيَ ينبغي أن أخبرها فلم يبقَ لحلول المساء إلا القليل . . غصصت بالندم لأني لم أرجئ قدومهم ، لِمَ لم أحسم الأمر بالرفض المباشر ؟ لكن لِمَ أليس هو الدواء الناجع ؟ لساني كليلٌ و ليمونة ماتزال تحملقُ مستفسره بغرابةً نطقت بعد برهةٍ كثيفة التوغل في النتائج التي سيسفر عنها الخبر
– حسنٌ جئتُ لأمرٍ هام هو أن قريباً لجارة جدتي سيفدُ لخطبتي مساءً ، اهتاجت زوجةُ أبي و مادت إلى الذروة
– إن أباك ليس هنا لقد ذهب إلى السوق . .
و انهالت الأسئلة غزيرةً تطرقني :
– أين رآكِ ؟ و . . .
أسرعت بتسوية المنزل المقلوب أشطف باحته على عجلٍ و طفقتُ هنا و هناك و زوجة أبي تصفرُ تارةً و تحمرُ تارةً أخرى تضحكُ بهزلٍ
– ستتزوجين إذاً ؟
أخيراً توصلت ليمونة إلى حلٍ نافذٍ و هو أن تستنجد حيال هذا الموقف العسير بأم رمزي التي غدت في ناظرها
الصفحة – 100 –
رواية ابنة الشمس*
الروائية أمل شيخموس
الصفحتان
في التعليقاتأصغي وداد ، فجلست و هو يقابلني دون أن يقترب مني و بدأ يتأملني بشكلٍ عجيب ، وداد مطلقاً لا تعنيني الأقاويل اسألي من شئت أما أنا فلن أسأل أحداً عنكِ ، إني مؤمنٌ بك أشدك بالرجاء أنت صغيرة السن تذكري أن ثمة من يحبنا و من يمقتنا في الحياة فلا تأخذك كثرة الأقاويل بعيداً ، أرجو أن تُحَكمي قلبك و عقلك الرجيح إن شئت استشيري الدكتور وحيد عزام و الأستاذ مُكَرم عطالله أو . . .
فقلت :
– لا يعنيني هؤلاء إنما الذي يعنيني هو أنت . سُرَّ لجوابي و شدد عليَّ بالسؤال عنه فهذا الأمر من حقنا قبل الإقدام على هذه الخطوة مطمئناً إيايَ بدفء عينيه لن أندم على ربط مصيري به ، و أمرني بالذهاب إلى المدينة في الأصيل فأشعة الشمس حارقةٌ هذه الظهيرة مشيداً بجلجلة حبه العظيم ، غادرنا الحجرة و أم فضة متفائلةٌ بحسن الخاتمة ، ودعنا أحمد مستعجلاً و هو يعدني بمثوله مساءً إنه يتصرف بسرعةٍ فائقة كي يمتلكني قبل بروز منافسين له . . يطوي مسافة الزمن بهمةٍ لم يدرك معها أنهُ يعجل
الصفحة – 97 –
رواية ابنة الشمس*
الروائية أمل شيخموس
بالنهاية باكراً ، قال لي قبل رحيله : ” كيف سأتجشم عدم رؤيتك إلى المساء سأتوق لكِ ” . أعربت جدتي عن قلقها حيال زوجة أبي و أم فضة تبدي ارتياحها لأنَّ أحمد متميزٌ و سينال إعجابهم ، انفردت بنفسي بحجة حزم أمتعتي فجسدي برمته يمور غلياناً . ياله من مأزقٍ وعرٍ مع عائلتي ! كيف سيتقبلون الأمر ؟ لا أدري . . . دارت بي دوامةٌ كالدولاب و منها المتاعب التي ستعترضني . . دنوتُ من شجرة التوت العجوز التي جلستُ و أحمد تحت ظلالها أكان ذاك خيالاً ذائباً أم أنهُ . . اشهدي أيتها الأزاهير و الأعشاب الطرية . اشهدي معي و مع الزمن أنه صادقٌ لا يرائي قيد أنملةٍ . . . غزتني عبراتٌ احمرت إثرها عيناي كان الله في عوني إنه الحد الفاصل بين النعيم و الشقاء ربما يحن القدر و أنتصر لأحلامي . . . آه لو ظفرتُ باستعطافهم فستزدهرُ فراديسُ آمالي بالأمان ، لن أتخلى عن اليد التي مدت لي لو حزت شرف الإحتماء بك لأتخذ من أمك أماً لي و أحرز الطموح بدفئه الذي سينهضني للمجد و الأمل . . ستحيا معي إشراقاً و زهواً آهٍ لو يتحقق ما أصبو إليه من إرتقاءٍ إنسانيٍّ شفيف . . سأبقى قبساً من
الصفحة – 98 –
رواية ابنة الشمس*
الروائية أمل شيخموس
🌻✨
