قصة قصيرة: غضب البحر(((بقلم: محمد محمود غدية )))

قصة قصيرة :
بقلم محمد محمود غدية / مصر
غضب البحر

فى مقهى يرتاده بعض الأدباء والفنانين، إختارتهم طاولة تبعد عن حلقات النقاش والثرثرة، والدخان المتخلف عن السجائر المحترقة، الكورنيش وبائع الذرة المشوية شاهدين على نسج حكايات حبهما، والمقهى والشارع والهاتف والباص، الحديث بينهما لا يتوقف، هادئا وطيبا ونبيلا، يرسمان خطط المستقبل ويلونان سمائهما بألوان البهجة والفرح، حتى كان يوما أيقظه صياح الديكة، نفض الحلم وارتدى فى عجلة معطفه الرمادى، وجرى يستطلع ماوراء هاتفها المبكر والغير معتاد، الجامعة وافقت على منحة دراستها بجامعة امستردام بهولندا، والسفر خلال اسبوع، مفاجأة لم يحسب حسابها،
وهى لم تحدثه عنها، لأنها لم تكن متأكدة من جدية الموافقة على المنحة، زلزال يهزه بعنف، راح يستند الى ماتبقى منه، ليصل الى البحر غير البعيد من هنا، ليبثه أحزانه التى داهمته فجأة، يتفكك ويتهاوى ويجتهد فى ترميم روحه المتناثرة، ستائر الشتاء الداكنة متمددة فى تكاسل بطول الشاطىء، البحر لاهي عنه بأمواجه وزبده الذى يلثم الشاطيء فى رفق، ثم يعود لصخبه من جديد، غير عابىء بما يعتريه من وحشة، ولا بحر أشواقه، يستعيد صورة محبوبته والتفاصيل المتناهية فى الصغر، ثغرها الدقيق،
شعرها الذى ينعس فيه الليل والمسافر فى كل الدنيا، الهواء حوله مشبع برطوبة جافة،
بخطوات مثقلة يبتعد عن البحر، الذى تصاغر فى نقطة وغاب عن ناظريه واختفى،
لكنه موجود فى صخبه وهدوءه، لابد وأنها الآن منداة برائحة المطر فى مكان بعيد،
يبقى دونها نقطة فى بحر، حبة رمل فى صحراء شاسعة، ثقل من الرصاص يحيط بقدميه، وهو يحدق فى الظلام وحيدا، غارقا فى ليل ماطر لمدينة باردة .

نُشر بواسطة مجلة خيمة الأدب في روج افا

كاتب

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ