خروج من العاصفة:(((بقلم:محمد امين بافي سامان )))

(جاء ابني الصغير من المدرسة و علامات الحزن تغطي وجهه الصغير متأثرا بقصة صديقه الذي سافر والده الى بلاد الغربة… والذي يبدو أن أخباره انقطع عنهم… فرويت له هذه القصة كي أخفف عنه )

/خروج مع العاصفة/

بقلمي /محمد امين بافي سامان /

(جزء الاول)

في ليلة عاصفة خرج الاب بعد أن ودَّع زوجته ، عندما كان أولاده الثلاثة نيام ، تركهم و قلبه يعتصر دما، و كيف لا وأنه سيتركهم صغارا ،وهم في حالة يرثى لها من الفقر الشديد و الديون متراكم فوق رؤوسهم ،تركهم ليسافر الى بلاد بعيدة باحثا عن رزقه و عمل قد يغير مجرى حياته و اضعا نصب عينيه خطة كي يأتي فيما بعد ليفك ديونه و يأخذ زوجته و أولاده معه ليعيشوا معا حياةً كريمة .

مرت أيام و شهور على غياب الاب و لم تتلقى الزوجة أيُّ رسالة من زوجها ، فأضطرت للعمل كي تربي صغارها ، انقطع الاخبار عن الاب المسافر و ظن الجميع أنه قد مات بعد سنوات من غيابه .

انتظرت الام سنوات طويلة و هي تعمل بكد و تعب شديدين ، و عندما كبر صغارها طلبت منهم الاجتماع لتخبرهم عن سر أبيهم، اجتمع الشباب الثلاثة امام و الدتهم و التي تقدمت بالعمر فافتتحت الحديث قائلة :

تعلمون يا أولادي بأن و الدكم قد سافر منذ زمن طويل و لا نعلم أنه مازال حيَّا أو ميتا ، و لكن الذي لا تعرفونه بانه قد ترك لكم كنزا ثمينا في مزرعته الصغيرة خارج القرية ، فرح الشباب الثلاثة لمجرد سماعهم لكلمة الكنز ، ولم يخطر ببالهم أنه كيف لأبّ يملك كنزا يخفيها و يسافر في رحلة البحث عن العمل ، ولولا أن الوقت كان متأخرا لذهبوا حالا للبحث عنها ، غدا صباحا سننطلق الى المزرعة للبحث عن كنز والدكم قالتها الام مانحا الثقة و الشجاعة لأولادها الثلاثة كي يناموا باكرا .

في الصباح الباكر انطلق الاولاد الثلاثة مع

والدتهم حاملين معهم الزواد و الماء و عدة العمل من الفؤوس و الرفوش ، وعند وصولهم دهشوا عند رؤيتهم مزرعة مهجورة أشجارها شبه يابسة و جدرانها متساقطة وحجارتها مرمية على الارض و العشب اليابس يغطي المزرعة كلها

وقف الجميع مذهولين من المشهد………

خرج مع العاصفة…. الجزء الثاني

في تلك اللحظة نظرت الام اليهم و رأت الدهشة التي غطت وجوههم ، ولسان حالهم يقول أي كنز هذا الذي قد يكون مخبأ هنا ،و لكن الام القوية و الذكية استطاعت و في لحظات ان تجد حلا لهذه المعضلة ، فقالت: علينا اولا رفع الجدار عاليا كي لا يرانا أحد و نحن نبحث عن الكنز ، و بالفعل قام الشباب الثلاثة بجمع الحجارة من داخل مزرعتهم وبداوا ببناء الجدار ووالدتهم تمدهم بالماء و الطعام و ترفع من معنوياتهم ، ومرَّ اليوم الاول بكامله في بناء السور حول المزرعة، وعادوا في المساء منهكين من التعب ليناموا باكرا و كلهم أمل كي يحصلوا على كنز والدهم في صباح يوم التالي.

استيقظ الجميع باكرا على غير العادة و انطلقوا من جديد بأتجاه المزرعة و التي خلت من الحجارة و الان وقد أصبحت أقل سهولة للبحث و التنقيب ، قالت الام : علينا الان أن نزيل العشب اليابس من المزرعة كلها ثم ليذهب كل واحد منكم ليحفر باتجاه و خاصة حول الاشجار لان والدكم كان دائما يجلس تحت أشجاره، وهكذا بدأ الشباب بجمع الاعشاب اليابسة ومن ثم قاموا بالحفر و التنقيب و لم يتركوا شبرا من الارض إلا وقد حفروها و استمرت عملية التنقيب عدة أيام دون جدوى ، و في المساء بعد انتهائهم من العمل قال أحدهم: أماه لقد ذهب تعبنا هباء ولم نعثر على كنز والدنا فما العمل بعد الان، قالت الام : أصبروا يا أولادي فقد أقترب فصل الشتاء والامطار كفيلة في كشف المفقود من تحت التراب ، و هكذا و بعد مرور عدة أشهر من فصل الشتاء و دخول فصل الربيع ، طلبت منهم والدتهم ان يجهزوا أنفسهم كي يذهبوا الى المزرعة عسى أن يجدوا كنزهم بعد هطولات المطر الغزيرة ، و عندما دخلوا المزرعة دهشوا من جديد من المنظر الخلاب الجميل ، فالاشجار المثمرة المتنوعة و التي كانت شبه ميتة قد غطتها الاخضرار…… .

خرج مع العاصفة…. الجزء الثالث

و قد تفتحت زهورها و العشب يغطي الارض كأنه البساط الاخضر يتخلله الزهور الملونة الجميلة تتلاعب معها النسمات العليل و الفراشات و النحل ، وقد ادخل البهجة في قلوبهم جميعا وأخيرا أدركوا أن هذه المزرعة هي الكنز الحقيقي الذي ذكرتها لهم أمهم وقبل أن يسألوا والدتهم أجلستهم والدتهم على الارض و أخبرتهم بأن غياب المطر لسنوات عدة وكون والدهم كان وحيدا لا يستطيع ان يعمل كما عملتم انتم الثلاثة الان و قد كنتم اطفالا صغارا ، لذا فقد أضطر للخروج من القرية في رحلة البحث عن عمل وكما تعلمون فقد ذهب في تلك الليلة الماطرة ولم يعد حتى الان ، والان وقد كبرتم طلبت منكم إحياء هذه المزرعة من جديد لعلنا نجني منها ثمارا نرد به ديوننا و نعيش منها .

وهكذا مرت عدة أشهر وهم يواظبون على العمل في مزرعتهم حتى أثمرت الاشجار و أينعت وقد حان قطافها، و جاءوا بالسلال و الدواب و حمَّلوا المحصول الى السوق وربحوا مالا كثيرا بعد أن باعوا المحصول لعدة أيام .

نجح الاولاد الثلاثة مع والدتهم و لعدة سنوات ان يجنوا ارباحا طائلة من مزرعتهم تلك، أشتروا على أثرهاالمواشي و الأحصنة و عمَّروا دارهم من جديد وتزوج الثلاثة و رزقوا بأطفال وأصبح لكل واحد منهم شأن كبير في القرية بعد ان توسعت مشاريعهم و كبرت عائلتم و أزداد أقاربهم و معارفهم .وفي وقت متأخر من الليل سمعوا صوت الباب يقرع ،فانطلق أحدهم ليفتح الباب ،وإذ برجل كبير السن بلباس مهترئ ولحية طويلة

واقف امام الباب يسأله عن صاحب الدار ، استغرب الذي فتح الباب من سؤال الرجل فاعتقد أنه عابر سبيل أو متسولا يريد طعاما او كساءً او مالا ربما، ولكن في هذا الوقت المتأخ من الليل… يا عماه ماذا تريد من صاحب البيت… قالها متعجبا! ؟

فرد عليه الرجل : ………………

خرج مع العاصفة…

الجزء الرابع و الاخير…..

قال الرجل: لأنني تركت هنا أما وثلاث أطفال صغار

… ..كان صوت الرجل عاليا بحيث ان الجميع قد سمعوا الحوار و قد هرع الجميع نحو الباب تسبقهم والدتهم فعرفت انه زوجها الغائب وقد عاد الان بعد تلك السنوات فارتمت عليه شوقا تبكي بفرح وهي تقول هذا والدكم قد عاد تعالوا جميعا، فهرع الجميع نحوه وسحبوه نحو الداخل غير مصدقين ما رأوه، و بعدها طلبت منهم والدتهم ان يأخذوه الى الحمام ويغيروا ملابسه ريثما تحضّر الطعام له، و هكذا وبعد ان تناول العشاء واستراح الجميع سألوه عن رحلته و عن سبب غيابه عنهم فقال: عندما وصلت الى المدينة في تلك الفترة كانت قد وقعت جريمة قتل وسرقة ولانني كنت الوحيد في إحدى الشوارع القريبة من موقع الجريمة و كنت قد وصلت في وقت متأخر من الليل و لم أجد مكانا آوي اليه فقد القي القبض علي وحكموا عليَّ بالسجن رغم أنني قد أعلنت برائتي من الجريمة وأنني غريب عن المدينة فلم يصدقوا حجتي وبقيت في السجن تلك السنوات حتى أفرجوا عنّّي لحسن سلوكي في السجن و توجهت مباشرة الى قريتي كي أبحث عنكم و الحمد لله أنني رأيتكم الان و أنتم في أحسن الاحوال و الحمد لله،

وهكذا عاد الرجل بعد سنوات طويلة و عاشوا من جديد معا بفرح و سعادة .

تمت و بعون الله…………….


نُشر بواسطة مجلة خيمة الأدب في روج افا

كاتب

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ