
رحلة إلى المجهول
أقف بمفردى فى الممر الطويل، أقطع الطريق ذهابا وإياباً،
أردد أدعية وأرتل آيات من القرآن، طال انتظارى لساعات أمام الحجرة الموصدة، أتنقل بين المقاعد المترامية وأبثها قلقي، يحتويني الهلع فيتصبب العرق من جبيني،أوشكتالساعة على منتصف الليل، ألتصق بباب الحجرة ،أسترق
السمع بلا جدوى ،فيزداد قلقي ويرتجف جسدي من شدة
الإعياء.
تمر ساعة تلو الأخرى، أحدث نفسى بعبارات غيرمفهومة، يلوح أمامى شبح الطبيب يلتف حوله مساعدوه، أدنومنهم وأحاول الإستعلام عن حالتها ،ترمقني نظرات متعجبة،
يغيب الجميع عني دون إجابة، ألحقهم محاولًا تدارك سببتجاهلى، بعد محاولات يائسة أتركهم وأعود ثانيةً إلى مكانى، أقتحم حجرة الولادة الموصدة، أتسلل بهدوء لأتبين الأمر،
ترقد زوجتي على الفراش، ما زالت تحت تأثير المخدر،
تهذي بكلمات لا أفهمها، وعلى
سرير صغير بجوارها يرقد طفلى.
أقترب من سريره ، أرتجف من
شدة الخوف، أرفع الغطاءعن وجهه، تصدمني رؤية ما يشبه
القرد الصغير، بملامحهالمشوهة،
تهز الدهشة كياني ،تدور فى رأسي أسئلة كثيرة لا أجد لها إجابة:
سنواتمن هذا ومن أين أتى؟هل هذا هو ابنى الذى أنتظره منذ عشر
؟ماذا حدث من المؤكد هناك خطأ ما؟
أترك الحجرة وانطلق مفزوعًا، أتوجه على الفور إلى إدارةالمستشفى، يلتف حولى طاقم الأطباء والتمريض، تحاصرني
نظراتهم اللاذعة، وقبل أن أنبس بكلمة وجهت إلى الأسئلة،
أردت الإفلات منهم ولكننى لم أستطع، أكد الجميع أن تلك حالة نادرة لا مثيل لها ،طالبني الأطباء بالبحث فى أصول عائلتى وعائلة زوجتي، ربما هذا الكائن هناك من يشبهه فىتاريخ العائلة القديم.
أصابني دوار شديد ،فقدت قدرتى على الكلام ، جلست
أرتشفكوبا من العصير، شيئاً فشيئًا بدأت أستعيد نفسي وروحي، ولكن المفاجأة أرغمتنى على الصمت، حلقتذاكرتى إلى الماضي البعيد، تذكرت رجاء زوجتي ورغبتها
أن تصير أمًا، أجرينا فحوصًا طبية أثبتت صلاحيتنا للإنجاب، لكن التهابات حول الرحم أجلت أحالمها ولكنها لم تجهضها.
شرعنا فى العلاج لأعوام طويلة، وبعد سنوات أصبحتمعدة للإنجاب ،ونبت الحلم فى أحشائها، ودبت فى روحهاالحياة، دللتها وأغدقت عليها الأموال ، استقبلنا خبر المولود
الجديد بفر حًة عارمة، لم أتوان عن مد يد العون إليها،
فأسعدتني نظرات الرضا فى عينيها.
مرت الشهور متباطئة، حلمت بشكل وجمال مولودها،
باتت سعادتها تزداد كل يوم وهى تحصي الليالي الباقية،
استكان قلبها وعادت ابتسامتها تجلجل الدنيا، وحينما فاجأتها
أوجاع الولادة؛ انتقلنا على الفور إلى المستشفى، تسبقنا الأحلامالوردية والأمنيات الواعدة.
راعني مشهد مولودي على هذه الهيئة العجيبة، غادرت المستشفى
حاملًا زوجتي ومولودي بين ذراعىِّ،استدعيت أفراد عائلتي جميعًا، سكن الحزن كل القلوب
الراجية، أطل علينا وجه المولود بأذنيه المسطحتين وأنفه الأفطس وخلقته غير الآدميه، حاولت معرفة السبب وطالبتهمبالبحث عن وجوه تشبهه فى أصول العائلة، وجهوا لى وابلًامن اللعنات والسباب، حملت مولودي بين ذراعىِّ، اقترح
أحدهم أن أودعه داخل دور للرعاية الصحية، ثارتدهشتي وسألته بغضب: أية رعاية؟ وكيف أتركه بمفرده؟
حملت الطفل وابتعدت عنهم.
بقلمي.. محمد كامل حامد
