
حياة السيرك
قصة *
بقلم الكاتبة الروائية // أمل شيخموس
🌳
كما ماوكلي فتى الأدغال أمضت معه عمراً دون أن تدرك من هو ؟ ! كانت تستغرب منه كثيراً . . تتفهمه تتقبلهُ . . بيد أن الأمر كان يفوق التوقع فالقلق كان يساورها بشأن تصرفاته اللامحسوبة رغم طيبة قلبه الواضح أن الأمر لم يكن متقصداً رغم مساورة الريبة إياها . . فقد كان منطوياً على ذاته مليئاً بالأسرار و الغموض كالليل الداكن الذي تتخلله النجوم أحياناً كانت تستشيطُ غضباً منه و أحياناً تسخر من ذاتها تضحكُ و تبكي بصمت و تبتسم بحزن تقهقه بسخرية قليلاً ما تفرح ، و ذلك لأنه يقوم بعرضٍ استعراضيٍّ كما ماوكلي متسلق الأشجار المتوثب بين الفينة والأخرى ، كما لو أنها كتبت عنه لدونت كل يوم قصة مختلفة عن حياتها مع هذا الرجل الذي يبدو للآخرين ربما غريب الأطوار أو أنهم يتعاملون معه بشكلٍ سطحيٍّ بحت و هي الملتصقة به حيث يقولون الزواج بخت و نصيب ، أما إعداد و تربية الآباء لأبنائهم فتكون من حظ الزوج أو الزوجة المستقبلية سواءً أكانَ صالحاً أم طالحاً ، فهم يهدونه إما نعمة أو نقمة حيث يغدو الأمر كالقنبلة الموقوته الموشكة على الإنفجار أي لحظة . . هكذا كانت تحيا حياة السيرك و اللاطبيعية و اللااستقرار هذه كانت هدية أبويه لها و هذه كانت قسمتها كما يقولون . .
عاش طفولة منعزلة في قرية نائية لم يعاشر البشر و لم يختلط بهم فقط الحجر و المعول و الأرض كانت رفيق دربه ففي الفجر الباكر كان بين المزروعات يسقيها و يعتني بها إلى حلول الليل البهيم و هكذا يتناول بعض ثمار الأرض وينام الفدائي الذي أعال أسرته الكبيرة المؤلفة من 22 نفراً و الذين اضطرتهم مصلحتهم لا تدري أم وعيهم المنخفض الأناني و ذلك بذريعة الظروف إلى جعله بهذا النمط إهمال و حرمان من التعليم عدم إرساله إلى المدرسة و . . حيث نساء القرى فيما مضى كنَّ يتنافسنَّ على الإنجاب كما الفتيات الآن على عمليات التجميل و تحصيل الشهادات و الرفاهية علاوةً عن المساواة بالذكر لا أدري أم حقوق المرأة و كأنَّهما في تنافسٍ تام بيد أن صوتها مع الوقت قد ندَّ ، فبفضل دعاة حقوق المرأة غدت تتنفس قليلاً و صوتها يعلو أحياناً و تبرز في الوزارات و المناصب . . حياتها تشتعل أحياناً مع هذا الزوج و تركن إلى الهدوء أخرى . .
عندما يخرج عن طوره يتلف و يهوي بالأدوات المنزلية منها البراد و التلفاز يقلب سفرة الطعام فتتناثر مكونات الطعام على الأرض و الجدران بما فيها الدسم الذي يلتصق بكل مكان بشكلٍ بغيض يضطرها بعد انتشال ذاتها من الصدمة إلى إهدار الكثير من سائل التنظيف بغية إزالة تلك الدهون و كنس الطعام المتناثر و رميه في القمامة . . يال صدمتها به !
تعشق بشرته الدّاكنة أيضاً ، فهي تناديه ” باكيرة ” وقت الصفاء أسوةً بالنمر الأسود الذي كان يرافق ماوكلي في أفلام الرسوم المتحركة تعطفُ عليه كما لو أنها أنجبته ، فبعد أن تستفيق من صدمة العنف و التعدي . .تكفكف دموعها محاولةً استعطافه ، فهي تحبه لا تدري أم أنها مجبرة على تفهمه أنه ماوكلي فتى الادغال محطم الأشياء . . عليها القيام بمصالحته و إلا سيستمر التحطيم و التخريب . . الغابة تلائمه أكثر ماذا تفعل ؟ ! يتيمة لا سند لها بحثت عن قشة فأتاها ماوكلي السند بكامل بريقه الأسود و جسده الرياضي الرشيق كانت محاولةً للإحتواء و ليس زواجاً متكافئاً بفحوى الكلمة ، ففي ظل تلك الكلمة تعرضت لأعنف و أشرس الهجمات القتالية التي ضاعت فيها روحها دون مقاومة فمن يردع الطوفان الأسود ؟ ماوكلي ملك الغابات كانت النيران و الهجمات من أدنى كلمة تندلع ، حيث لم يكن يستوعب الأمور و لا منطقه بشرياً بل تابعاً لقطيع الذئاب من ذويه لا رأي له و الكل يتدخل في أدق تفاصيلهما !! . . و كل يوم قصة جديدة مع فتى الأدغال محطم الأشياء بما فيها قلبها الرقيق الذي لا يحتاج لكل هذا العصف و الطوفان كي يتم تكسيرها بل هي أضعف من ذلك بكثير . .
دوماً يكون كما عقدة المنشار يكون العكس . 🐾
أمل شيخموس
كاتبة روائية // سوريا
🐆
